لعل من أنسب المداخل لهذا الموضوع أن أتناول التسمية الكاملة لحركة فتح .حركة التحرير الوطني الفلسطيني . بشيء من التفصيل تتم مقارنتها لاحقا بمرتكزات الفكر السياسي لحركة فتح في نظريتها الثورية : -حركة : هي تنظيم يتوحد حول قضية ( قضايا ) سياسية ذات طابع شمولي للأمة والوطن ولا يشترط بها أن تمتلك أيديولوجية أو منهجا وخطة وبرنامج حكم وتتميز بالمرونة والتعامل بعقلية المراحل .التحرير : وهو القضية الأساسية التي يتوحد حولها التنظيم تحرير فلسطين .الوطني : البعد عن ( الأدلجة ) فحيث يكون التنظيم حركة وطنية جامعة تقبل الجميع ولا تشترط أو تميز بين العقائد والأيديولوجيات والأديان والوطنية كما سيظهر لاحقا هي النقيد للإقليمية من جهة ولجوهر الصراع مع الوجود الصهيوني في فلسطين من جهة ثانية .الفلسطيني : تكريس الكيانية الفلسطينية واعتبار الشعب الفلسطيني طليعة العمل النضالي العربي في مواجهة النقيد الأساسي في الصراع المتمثل في الوجود الصهيوني والإمبريالية الداعمة له .مرتكزات الفكر السياسي في النظرية الثورية في حركة فتح :1 - تحديد الأهداف للابتعاد عن العشوائية : -تحريك الوجود الفلسطيني - الفلسطيني واستنهاض الهمم بعد الإحباطات التي أعقبت النكبة وتوزع الطاقات الفلسطينية لولاءات متنوعة ومتناحرة .بعث الشخصية الفلسطينية محليا ودوليا بصورة مستقلة .استقطاب الجماهير الفلسطينية ومن خلفها الجماهير العربية في تاريخ الثورة .إعادة بناء الدولة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية ( حرة - ديمقراطية ) يضاف إلى ذلك رزمة الأهداف الخمسة الواردة في النظام الداخلي .2 - تحديد القوى المحركة للنضال الوطني : - عبر اعتماد مبدأ الثورة الشعبية المسلحة وحرب الشعب طويلة الأمد بكل ماتحمله كلمة الثورة من أشكال متعددة من للنضال على مستويات النضال الجماهيري والتنظيمي والعسكري ومايحققه التكامل الفعال بين كل هذه الأشكال لضمان استمرار النضال حتى تحقيق النصر وهي ثورة شعبية لأنها تعتمد أساسا على الشعب وعلى خط الجماهير النضالي طويل الأمد ومايعنيه من تعبئة كافة الطاقات الشعبية بمختلف الفئات اجتماعيا وسياسيا وفكريا وهي ثورة مسلحة لأن الكفاح المسلح استراتيجية وليس تكتيكا ولن يتوقف حتى تحقيق أهداف شعبنا الفلسطيني .3 - تحديد التناقض الرئيسي في القضية : -كان الفكر العربي السياسي قبل ( حركة فتح ) يتوزع على : -الاشتراكية - الأحزاب الشيوعية منذ عام 1919 :القومية : الفكر المنادي بالوحدة العربية والحرية والاشتراكية وهو فكر قد ظهر منذ احتضار الإمبراطورية العثمانية وانتشر بأوسع أشكاله أيام المد الناصري وقد شهد نفس هذا الفكر سلعات داخلية بين شعارات : وحدة - حرية اشتراكية أو حرية - اشتراكية - وحدة .الإسلاموية : ونقول ذلك لأنه يختلف عن الفكر الإسلامي والمرن لأن هذا الفكر الإسلاموي بمجمله متطرف في استخدامه لعقيدة أو موقف فكري ما .أما حركة فتح الديمومة فاعتبرت أن العدو المشترك خارجي متمثل في الوجود الصهيوني هو التناقض الرئيسي لمواجهة خطره يجب أن يحترم الأولوية من بين كافة النضالات الأخرى وهو نضال مشترك لكل فئات الشعب . من هنا جاءت فكرة فتح حيال تشكيلها بتجميد الخلفيات الحزبية والتناقضات الفكرية لمصلحة التناقض الرئيسي من العدو الصهيوني .( 2 ) 4 - الارتباط بين الوطني والقومي : -بعد تحديد التناقض الرئيسي وجوهر الصراع كان ذلك يقتضي أن تكون القطرية ( الوطنية ) الفلسطينية طليعة النضال القومي العربي الشامل لأنها تمثل النقيد المادي للكيان الصهيوني .كان على العرب أن يفهموا أن اسم فلسطين وكيانها الشرعي ....... أرضا وشعبا ....... هو أهم من الأسلحة القومية لمواجهة خطر التناقض الرئيسي لذلك وضعت حركة فتح خطا للتوازن مابين هو وطني أو قطري وبين ماهو قومي . فطغيان النزعة الإقليمية أدى في مرحلة من المراحل أن إلغاء تعسفي للوطنية الفلسطينية بينما نمت في الوقت ذاته وطنيات وقطريات اخرى كما أن هذا الطغيان يؤدي إلى إنكفاء وترك قضية فلسطين معزولة عن مصادر قوتها الأساسية .وكان الهدف من إتخاذ سمة الوطنية , والتركيز على الشخصية الوطنية للثورة : تحريك الشعب الفلسطيني وتوحيده لتحمل مسؤولية طليعية في النضال من أجل تحرير فلسطين لنتجاوز روح التواكل أو انتظار الأنظمة والمناهج الأخرى لتأتي وتحرر فلسطين مما يساعد على أن يأخذ النضال شكل مباشر .الوطنية الفلسطينية هي النقيد الذي يؤدي الاعتراف به إلى تقويد الفكرة الصهيونية أخلاقيا ودوليا . إن الشعار السياسي الإنساني الصحيح لمواجهة إدعاءات الحق التاريخي والأفكار الصهيونية ونظرية أرض بلا شعب لشعب بلا أرض وهي كذلك الشعار السياسي والإنساني الصحيح لترتدي قضية فلسطين طابعها كقضية وجود لا قضية حدود .تحرير قضية فلسطين من إخضاعها لاعتبارات أولوية الأمن القطري أو حتى أمن الأنظمة .الوطنية الفلسطينية هي النطاق الذي يمكن في إطاره ضمن ظروف محددة تجميد التناقض مع الأنظمة الأخرى بحيث تتحقق نقطة التقاء عبرها .وسيلة لتحديد المسؤولية وتحديد الاختصاص في تنظيم يؤمن بالثورة ويتفاعل معها فهذا يعني تحديد المسؤولية الدولية والجماهيرية في قيادة الثورة وتوجيهها واستقطاب الجماهير الفلسطينية .الوسيلة الوحيد لتنقية الوسط الفلسطيني من جو السفسطة والتعقيد الناشئين عن التعدد في الولاء والاتكالية .لقد رأت فتح هدف تحرير فلسطين يرتبط بأهداف الأمة العربية في التحرر والوحدة والقوة والتقدم ولهذا طرحت شعار ( طريق العودة - طريق الوحدة وليس العكس ) والنضال الوطني الفلسطيني هو جزء من النضال القومي وهنا هو أساس شعار ( الثورة فلسطينية الوجه عربية العمق .5 - الاستقلالية : -عدم الخضوع أو التبعية أو التوجيه من أي جهة إلا الشعب الفلسطيني كان واضحا أن ما أعلنته حركة فتح هو حالة تمرد على واقع الهيمنة والسيطرة التي حاول كل نظام أو حزب يفرضها على قطاع غزة من أبناء شعبنا الحبيب إنطلاقا من التوجه نحو أهداف تخدم مصلحة الأمن الإقليمي على حساب الأمن القومي المتمثل خطرة نظام الأول بوجود الكيان الصهيوني وعلى الرغم من تهمة الإقليمية التي حاولوا إلصاقها بحركة فتح الإقليمية فكرة مدمرة بينما الوطنية عند حركتنا الديمومة تجميع وتوحيد القوى السياسية والاجتماعية حفاظا على الشخصية الوطنية والتاكيد على استقلالية القرار الوطني المستقل لا ينبع من قطرية ضيقة أو إقليمية مغلقة بل من منطلقات قومية استنادا إلى أن صاحب الجرح هو الأكثر إحساسا بالألم والأكثر تفاعلا وإندفاعا لمعالجته والهوية الوطنية الفلسطينية ليست تكريسا للإقليمية بل هي هوية نضالية تهدف لإبراز قضية شعبنا ووجوده وذلك لهدف إلى تنظيم قوى الشعب والكيانية الفلسطينية المستقلة ستؤدي لنقل أداة المعركة إلى أيدي أبناء الشعب الفلسطيني والاستقلالية تعني أيضا أن لا تكون القضية الفلسطينية ورقة بأيدي الأنظمة ولكن مدعومة منها .كان صراع الأنظمة منذ البداية مع حركة فتح حول استقلالية القرار الفلسطيني محاولة إحتواءه من أجل تغيير قرار الثورة وما يؤدي إليه , فهذه الأنظمة لم تكن لتسمح ومازالت بتطور قدرة الفعل والتأثير الفلسطيني في الأرض العربية بين إمكانية تحريك جماهيرية واحتمالات تغيير وكانت هذه المحاولات تتجلى في إغراق الساحة بالتنظيمات التي تعمل وفق أجنداتها .رفض الوصاية في البداية كان سهلا حيث كانت حركة فتح تعيش حالة ( الشبح ) , أما الآن فصارت حركة علنية وتشكل هدفا مرئيا يمكن التعامل ضده كما أن أعبائها المالية يمكن أن تضعها في المجال المغناطيسي للضغط الرسمي للأنظمة .هناك ضرورة ملحة للحسم بين عقليتين : -القاعدة بالجماهير والقاعدة بالأرض , الأولى هي قاعدة العمل السري المنتشر بين الجماهير وهو عمل الطليعة , والثانية هي عقلية العلنية والدفاع عن الأرض . العقلية الثانية هي التي نعيشها الآن وبالتالي أصبح هدف الأنظمة أن يحصرنا في إطار هذه العقلية بما يعزل بيننا وبين الجماهير ومن هنا تصر الأنظمة على تكريس نظرية البديل في الساحة وليس على نظرية التكامل وكان إغراق الساحة بالتنظيمات ذات الأجندات المعدة سلفا والمتناسبة مع تلك الأنظمة يهدف إلى : -تفتيت الثورة من الداخل بعد الفشل في تفتيتها من الخارج .أن تؤدي المفاهيم المتناقضة بشكل موضوعي إلى توزيع الجهد والولاء الفلسطينيين في أكثر من اتجاه .تطوير حالة الاجتهاد في النضال الفلسطيني إلى موضوع للعداء والاتهام .إرباك الوضع الداخلي وإحداث خلل في معادلة القوة حتى يصبح الهجوم من الخارج ممكنا الوحدة الوطنية:والمقصود بها الوحدة الوطنية الفعالة ضمن بوتقة النضال، حيث يكون منطلقها هو وحدة الإرادة المرتبطة بوحدة الهدف، والتي تؤدي إلى وحدة المفاهيم. وحدة الإرادة هذه تجسد نفسها في برنامج مشترك وممارسة فعلية على أساس هذا البرنامج لكي تكون إرادة فاعلة. وأي حديث عن الوحدة الوطنية خارج هذا الإطار يصب في خانة الشعارات، وقد جسدت حركة فتح هذا المفهوم في شعارها ( اللقاء فوق أرض المعركة ).7. الوسطية:إن الفكر باعتباره إبداعاً إنسانياً، يفترض التعدد ويفترض التطور. والتفكير المستقيم يفترض المرونة بحيث يتضمن الثبات في جوانب والحركية في جوانب، يفترض الجدة المنبثقة عن الأصالة، ولا يعترف بحداثة منقطعة عن سلف، ولا بالإغراق في التاريخ أو القوالب الجامدة. إن التفكير ونتاجه الفكر بهذه النظرة الشمولية هو ما طبقته حركة فتح.الفكر مرتبط بالواقع. وفكر حركة فتح هو الفكر الجامع لكل أصحاب الديانات السماوية، ولكل أصحاب الأيديولوجيات غير المتحزبين، ما دام فكرهم ينطلق من الإيمان الروحاني والإيمان بفلسطين وبقيم الحرية والعدالة والتقدم والثورة.فتح حاملة لواء الوسطية، فلا تطرف ولا تهاون، ولا تشدد ولا غلو، فعبرت بذلك عن فكر وواقع وممارسة غالبية الجماهير.8. ارتباط النضال الوطني بقوانين الصراع الخاصة لمرحلة التحرر الوطني:وهي القوانين المستمدة من طبيعة المراحل أو المحطات لمرحلة التحرر الوطني، ومن الظروف الموضوعية. وتشتمل على القواعد المجربة في أساليب وتكتيكات النضال ومنهج الكفاح الوطني، كترتيب التناقضات والأولويات ووضع سياسة المراحل والتحالفات واختيار الأساليب.'إن نظرية أي ثورة هي رؤية لواقعها، وللقوانين الخاصة التي تحكم حركة هذا الواقع، ولمجموع التأثيرات المتبادلة بين هذا الواقع والواقع المحيط به، ثم أسلوبها للعمل على ضوء ذلك من أجل التأثير في هذا الواقع لتغييره إلى واقع أرقى، وتصور عام تتصوره لذلك الواقع الأرقى الذي تريده الثورة. أما نظرية استيراد الثورة لا يمكن أن يكون مفيداً لأي حركة أو ثورة'.فالتجربة الخاصة والظروف الخاصة بكل حركة ثورية هي منبع الإبداع لاتخاذ القرارات المناسبة، وليس مجرد التطبيق الأعمى لتجارب ناجحة لدى شعوب أخرى. نحن لنا واقع ولهذا الواقع خصوصيات ومتغيرات لا يمكن إلا أن تفرض نفسها على مسيرتنا وعلى طبيعة خطنا.إن التغيير ليس هو مجرد قرار بالحرب أو عدم الحرب. التغيير هو كيفية تناول القضية. في تكريس مفهوم الاستراتيجية الفلسطينية في مواجهة العدو الصهيوني حرب الشعب طويلة الأمد في مواجهة الحرب الخاطفة.المسألة الجوهرية هي القضية، وطريقة تناول القضية وأداة تناول القضية. نحن واقعيتنا غير واقعية الكثيرين. هم يرون الواقع مصدراً للتفكير ومنطلقاً له، فيقعون في إطار العجز. نحن نرى في الواقع موضوعاً للتفكير، نفهمه، ونحلله لنفعل فيه، لنغيره، بخلق حقائق جديدة تتناسب حسب الظروف والمعطيات مع الأهداف الموضوعة أساساً، سواء المرحلية منها أو الاستراتيجية. والفرق هنا هو الفرق بين الحركة والجمود، بين التمرد والاستسلام ، بين ما يجب أن يكون وما يمكن أن يكون.إن فكر حركة فتح هو فكر التقدم إلى الأمام، فكر الإبداع الذي لا يقبل التكلس ويأبى إلا رفض القوالب الثابتة والصيغ الجامدة كما يرفض الاستغلال المدمج بإسقاط قدسية الدين على بعض التنظيمات والأفراد الذين ينصبون أنفسهم وكلاء عن الله في الأرض، لأن فكر فتح يمثل فكر العمل وفكر التغيير والتجدد، فكر التلاؤم مع متطلبات الجماهير، فكر استنهاض القدرات وبعث الإمكانيات الذاتية والجماعية لترسم خططاً وأهدافاً لا تحيد عن تلك النظرة الاقبة والرؤيا الصائبة التي صاحبت حركتنا منذ النشأة وحتى اليوم.9. ارتباط النضال الوطني بالنضال الإنساني:وهنا نأتي إلى الجزء المكمل لشعار إن الثورة فلسطنية الوجه عربية العمق لنقول إنسانية الآفاق. وكلمة الآفاق هنا لكي تعطي معنى الارتباط بالأهداف. وهي الأهداف الإنسانية التي تتأسس على قاعدة الأهداف الشمولية: الحرية والعدالة والسلام والتقدم...إن أية أهداف إنسانية استجدت أو تستجد هي أهداف تتفق مع غايات نضال فتح ومسيرتها.10. النهوض:إن الفكر الوطني الذي تميزت فيه حركة فتح كان مرتكزه الأساسي خدمة الوطن سياسياً بالسعي وفق أنسب السبل في كل مرحلة لتحرير الوطن من الاحتلال، وقومياً بالتجديد في بعث كوامن التحرر والتجدد، والنهوض بالجماهير العريضة بأشكال متعددة، وذاتياً في إرساء بناء تنظيمي فعال يمازج الديمقراطي بالمركزي ولا يتعب من السعي في طلب الاستقلالية وبث روح المبادرة، وحضارياً في التمسك بقيم وتراث وثقافة التميز، ثقافة الرسالة الإسلامية التي شكلت الحاضنة لقيم المساواة والحرية والعدالة، وهي القيم التي نراها متجددة لا تقبل القليل، ولا ترفض الاستزادة.11. العقيدة العملية لحرب الشعب طويلة الأمد:تطبيق المبادئ العامة لحرب الشعب طويلة الأمد عبر تحديد خصائص الصراع:ـ مواجهة الصهيونية وتعني مواجهة:ـ استعمار استيطاني.ـ استعمار اقتلاعي.ـ استعمار عنصري.ـ استعمار قوي.ـ معترف به من قبل الأمم المتحدة.ـ معترف به عالمياً.ـ حليف استراتيجي للولايات المتحدة، وأداة استراتيجية التوتر الدائم التي تريدها الولايات المتحدة.ـ التفاهم مع الدول الثورية العربية.ـ اكتساب الشرعية والانتقال إلى العلنية والتحول إلى ثورة شعبية واسعة خاصة بعد نكسة حزيران 1967.12. الشرعيات الثلاث:استمرار الثورة ونجاحها يتطلب توفير شرعيات ثلاث هي:ـ الشرعية الوطنية من الشعب الفلسطيني الذي يخوض الثورة ويحميها.ـ الشرعية العربية باعتراف عربي بشرعية تواجدها وتحمل نتائجها.ـ الشرعية الدولية.